السبت، 28 يناير 2012

كبر السن في اللغة 

استعمل العرب كلمة (المسن) للدلالة على الرجل الكبير، فتقول: (أسَنَّ الرجل: كَبُر، وكبرت سِنُّه. يُسنُ إسناناً فهو مسن) كما تستخدم العرب ألفاظاً مرادفة للمسن فتقول: (شيخ)، و(كهل)، و(هَرمٌ)، وجميع هذه الألفاظ تدل على كبر السن، ويمكن ترتيب مراحل عمر الإنسان استظهاراً من معاجم اللغة بعد مرحلة المراهقة كالتالي: شاب، ثم كهل، ثم شيخ، ثم هرم والشيخ من جاوز الخمسين إلى آخر العمر نص عليه المصنف في الكافي وقال أبو إسحاق إبراهيم الطرابلسي في الكفاية( فإذا رأى الشيب فهو أشيب وأشمط فإذا استبانت فيه السن فهو شيخ فإذا ارتفع عن ذلك فهو مسن فإذا ارتفع عن ذلك فهو قحم وقحر فإذا قارب الخطو فهو دالف فإذا زاد على ذلك فهو هرم رهم)
_ والهرم علو السن وأصله من الهرم وهو نبت ضعيف والكبر يضعف البدن
وقال أبو السعود: (فلا يزال يتزايد ضعفه، وتتناقص قوته، وتنتقص بنيته، ويتغير شكله وصورته حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد، وقلة العقل، والخلو عن الفهم والإدراك)
وجاء في لسان العرب الهَرَم : أَقْصى الكِبَر، هَرِم ، بالكسر، يَهْرَمُ هَرَماً ومَهْرَما وقد أَهْرَمَه اللهُ هَرِم ، من رجال هَرِمينَ وهَرْمَى ، . وفـي الـحديث: تَرْكُ العَشاء مَهْرمَة أَي مَظِنَّةٌ للهَرَم ؛ قال القُتَـيْبِـيّ: هذه الكلـمة جاريةٌ علـى أَلْسِنةِ الناس، قال: ولَسْتُ أَدري أَرسولُ الله،صلى الله عليه وسلم ابْتَدَأَها أَمْ كانت تُقالُ قَبْلَه. وفلان يَتَهَارَم : يُرِي من نفْسِه أَنه هَرِم ولـيس به. وفـي الـحديث: إِنَّ الله لَـمْ يَضَعْ داءً إِلا وَضَعَ له دواءً إِلا الهَرَم ؛ الهَرَم ): الكِبَرُ، جعل الهَرَم دَاءً تشبـيهاً به لأَن الـموت يتَعَقَّبُه كالأَدْواءِ.






إن الدارس لأطوار الخلق التي تنتهي بالشيخوخة و الهرم يوقن تماماً
أن الحياة الدنيا هي بمثابة لحظة في تاريخ الإنسان الطويل
وأنها دار ممر وإن الآخرة هي الحياة الحقه ودار المقر الدائم
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ ببعض جسدى وقال كن كأنك غريب في الدنيا أو كعابر سبيل قال وقال عبدالله إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من شبابك لهرمك ومن صحتك لسقمك ومن دنياك لآخرتك ..
فشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنسان في الدنيا ليس كسائر في طريق... وإنما كعابر الطريق، إشارة إلى قصر الحياة الدنيا،

ولا شك أن الشيخوخة تعطي الدليل على حقيقة البعث بعد الموت
الهرم
وعندما يدخل في طور الشيخوخة المتأخرة(الهرم) يدخل في طور من الخلق لا يعلم فيه شيئاً كما قال الله عز وجل يرد إلى أرذل العمر
( لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً) .
إنها دورة الحياة وأطوارها التي يمر بها جسم الإنسان إذا امتد به العمر... ضعف ثم قوة ثم ضعف وشيبة... وهذا يذكرنا بقول الله عز وجل:
(الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعفٍ قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير )

حقيقة الهرم 
إن الذي ينظر إلى سنن الله الكونية يجد أن الهرم طور زمني حتمي، في دورة حياة كل مخلوق، أو دورة خلق كل موجود،
فالهرم من فطرة الخالق في هذا الكون، من أول الخلية الحية التي لا ترى إلا بالمجهر إلى خلق المجرة الهائلة في الفضاء الكوني...، كل شيء في الكون يبدأ خلقه بطور الطفو لي وينتهي إلى طور الهرم ثم الموت إلا مشاء الله... نجد ذلك في الإنسان والنبات والحيوان والطير وحتى الجماد كالجبال والمحيطات... وحتى الكواكب والنجوم، وتبدأ كل خلية في الجسم في طور شبابها ثم بعد ذلك تظهر عليها أعراض الهرم ومع أن زمن الخلية البيولوجي ـ وهو ما يسمى بالعمر الافتراضي ـ موجود بها منذ خلقها إلا أن عوامل البيئة المحيطة بها قد تؤثر عليها، ومهما يكن من أمر فإن الهرم طور حتمي من أطوار حياة الجسم لا يمكن منعه فسنة الله في الكون تسوق الجسم إلى الهرم سوقاً وتدفعه إليها دفعاً وتجري الحياة والموت جنباً إلى جنب في جسم الإنسان: ملايين الخلايا تموت كل ثانية من الثواني وملايين أخرى من الخلايا تحيا...
ففي جسم الإنسان ممات وحياة.. حتى إذا جاء الهرم زادت عمليات الموت والهدم على عمليات الحياة والبناء وبذلك تحل الهرم في الجسم ولا يمكن إعادة الشباب في خلايا الجسم أبداً

الإنسان في حياته الدنيا يمر بأطوار مختلفة من أطوار الخلق فهو
يخرج من بطن أمه طفلاً... لا يعلم شيئاً من أمر الدنيا...
ثم ينمو جسمه شيئاً فشيئاً وتبدأ حواسه في العمل... فذلك قول الله عز وجل والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون )
ثم يكبر الجسم ويصير الإنسان شاباً قوياً،
ثم يصير كهلاً ثم شيخا...
ويمضي به الزمن ـ إن طال به العمر ـ إلى آخر طور من أطوار خلق جسم الإنسان في الدنيا،
وهو طور الهرم...
في طور الشيخوخة يضعف الجسم شيئاً فشيئاً وتهاجمه الأمراض البدنية المختلفة في كل مكان... فيضعف من بعد قوة... وإذا امتدت الشيخوخة... وصل الجسم إلى مرحلة الشيخوخة المتأخرة –الهرم-التي هي أشد وطأة على الجسم والنفس معاً.. وأكثر ألماً وضعفاً وأكثر عجزاً... ذلك إن عوامل الهرم في الجسم تصير أكثر من عوامل البناء ويصاحب ذلك تغيرات بيولوجية في خلايا الجسم تقلل من كفاءتها كثيراً.. لذلك ما أن يدب الهرم في الجسم حتى يصاحبها الشعور بالضعف ويتحول الجسم إلى مرعى خصيب لكثير من العلل والأمراض التي ربما تطول إقامتها فيه وقد لا تبرحه قط فالجسم في الطفولة يكون ضعيفاً، لذلك يعتمد الإنسان في طور الطفولة على غيره في القيام بشؤونه... ثم هو يكبر ويصير شاباً قوياً يساعد الآخرين... ثم كهلاً فيه بقية من قوة تساعده على القيام بشؤونه كلها وشؤون غيره أيضاً.. أما بعد ذلك فيدخل في طور الشيخوخة ثم الهرم... وهي مرحلة الضعف التدريجي الذي يضطر الإنسان لها إلى الاعتماد على مساعدة غيره في القيام بشؤون نفسه.. ويصير مرة أخرى ضعيفاً كما كان في طور الطفولة