الأربعاء، 1 فبراير 2012

الهرم في القرآن
لقد مضت سنة اللّه في الإنسان أن جعله يمر بمراحل متعددة في رحلته الدنيوية، فيبدأ وليداً ضعيفاً ثم شاباً قوياً وأخيراً شيخاً ضعيفاً هرما. قال تعالى: {اللّه الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}
وأرذل العمر كما ذكر العديد من المفسرين ومنهم الشوكاني والشنقيطي رحمهما الله هو: آخر مرحلة من مراحل عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهو أخسه وأدونه وآخره الذي تضعف فيه القوى، وتفسد فيه حواس الإنسان، ويختل فيه النطق والفكر، ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ والخرف، وخصه الله بالرذيلة لأنه حالة لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد.
وقال تعالى ا( أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا)
قال الطبري في تفسير قوله تعالى : { لكي لا يعلم بعد علم شيئا } يقول : إنما نرده إلى أرذل العمر ليعود جاهلا كما كان في حال طفولته وصباه



 { بعد علم شيئا } يقول : لئلا يعلم شيئا بعد علم كان يعلمه في شبابه فذهب ذلك بالكبر ونسي فلا يعلم منه شيئا وانسلخ من عقله فصار من بعد عقل كان له لا يعقل شيئا
عن علي في قوله تعالى : { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } قال : خمس وسبعون سنة
كماقال تعالى ( "ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ) " فجاء بـ (ثم) التي تفيد الترتيب والتراخي، لأن كونه أسفل سافلين لا يعاقب خلقه بل يتراخى عنه في الزمن، فهي من حيث الوقت تفيد التراخي، كما أنها من حيث الرتبة تفيد التراخي، فرتبة كونه في أحسن تقويم تتراخى وتبعد عن رتبة كونه في أسفل سافلين، فثمة بَوْن بعيد بين الرتبتين فأفادت (ثم) ههنا التراخي الزماني والتراخي في الرتبة.
واختلف في معنى (أَسْفَلَ سَافِلِينَ) فذهب قسم من المفسرين إلى أن المقصود به أرذل العمر، والمُراد بذلك: الهرم وضعف القُوى الظاهرة والباطنة وذهول العقل حتى يصير لا يعلم شيئاً
ومعنى الاستثناء على هذا أن الصالحين من الهرمى لهم ثواب دائم غير منقطع يُكتب لهم في وقت شيخوختهم كما كان يُكتب لهم في وقت صِحّتهم وقوتهم وفي الحديث "إن المؤمن إذا رُدّ لأرذل العمر كُتِب له ما كان يعمل في قوّته" وذلك أجر غير ممنون أي غير منقطع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق