الأحد، 29 أبريل 2012


الجانب الاجتماعي  والاقتصادية
-       أن مجتمعاتنا المسلمة تمر بتيار تغيّر وتطور اجتماعي واقتصادي كبير نتج عنه تغير في القيم والعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، فتلاشى ما يسمى بالعائلة الممتدة التي كانت تضم الجد والأب والأبناء وزوجاتهم وأبناءهم في منزل واحد، وظــهر ما يعرف بالأسرة النووية التي تعني استقلال الأبناء بزوجاتهم وأبنائهم في منازل مستقلة، وهذا قد يؤدي إلى قطع العلاقات بين صغار السن وكباره، وقد أظهرت بعض الدراسات هذه البوادر وما ذاك إلا نتيجة للابتعاد عن تعاليم الإسلام وتوجيهاته في التعامل مع كبار السن. كان المسن والمسنة فيما مضى يعيشان في بيئة توقرهما وتحترم آراءهما ، لذلك كان المسن والمسنة ، وهما كبيرا العائلة ، يتسابق الأبناء على برِّهما والإحسان إليهما مصداقاً لقوله تعالى : ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً [1]وكان الأبناء يهتمون بتأمين حاجيات والِديهم الاقتصادية والمالية ويفضلونهما على أنفسهم وأولادهم ،مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنت ومالك لأبيك ) .
وقد كان من نتائج هذا الاهتمام من قبل الأبناء شعور الهرم
-        بالراحة والاطمئنان حيث يقضي أيام حياته الأخيرة مطمئن هذا كان فيما مضى ، أما الآن فقد تغير الوضع وبات الهرم هو المسؤول عن تأمين معيشته إلى آخر يوم من عمره ، وبات الأبناء مستقلين في مسكنهم ومعيشتهم عن ذويهم ، يكادون في بعض الأحيان لا يزورن أهلهم إلا فيما ندر، كل هذه التغيرات أفقدت هرم اليوم راحته وجعلته يعيش القلق والخوف في آخر أيام عمره.
-       كما أن ازدياد العمر يقلل من الأصدقاء بسبب تفرقهم إما بالبعد أو بالوفاة أو بالسفر .. وأما شريك الحياة الزوجية فقد يتوفى وبالتالي يظل الهرم يعاني من الوحدة وآثارها النفسية . وكذلك فإن عدداً غير قليل من الهرمين يعانون من الصلابة الاجتماعية لصعوبة تكيفهم وتبنيهم لأنماط جديدة في السلوك والتفكير .
- الشعور بالوحدة الاجتماعية نتيجة تغير الظروف الأسرية التي سبقت الإشارة إليها ، حيث يؤدي زواج الأبناء وتركهم للبيت وانشغالهم عنه في معارك الكفاح الشديد في سبيل تحقيق مطالب الحياة إلى إحساس الهرم بمرارة الوَحدة والقلق .
-       التغيرات الاقتصادية المتمثلة في انخفاض دخل الهرم وهذا عائد في الغالب إلى إحالته للتقاعد عند بلوغه السن النظامية، وبالتالي يؤدي ذلك إلى عجز عن تلبية العديد من الحاجات، خاصة إذا قرنا ذلك بتوقع إصابة الهرم ببعض الأمراض وما يحتاجه نفقات للعلاج
- عجز الهرم  وفقدانه القدرة على الكسب المادي والعطاء اللذان يشعران الرجل بمكانته داخل مجتمعه وداخل أسرته ، ولذلك فإن هذه المرحلة في حياة الهرم تعدُّ من الأمور الصعبة التي قد يعجز عن تخطيها في بعض الأحيان، لما تبثه من إحساس بالعجز والعوز للآخرين .
- و تشد عند المرأة ، لأن روابط القرابة في حياة المرأة قوية ، فهي معتادة دائماً على أجواء الأسرة ومشغولة باستمرار بالأعباء المنزلية ، ولها علاقاتها واتصالاتها الاجتماعية مع الأقارب والجيران ، ولذلك فإن عجزها عن الحركة  يتطلب منها جهداً كبيراً للتكيف مع الوحدة والعزله وتقبل انشغال الأبناء ونصرفهم عنها
- تغير نمط وأسلوب حياة الهرم الاجتماعية ، حيث يؤدي تقليل النشاطات الاجتماعية وجلوس الهرم شبه المستمر في البيت إلى تركيز اهتمامه على مشاكله الفردية وآلامه ومخاوفه.
- فقدان رفقاء الصبا وموت الأصدقاء الذين ذهبوا إلى غير رجعة يزيدان من خوف الهرم من الوَحدة الرهيبة أو العزلة القاسية التي لم يتعوّدها من قبل ، إضافة إلى خوفه من الموت الذي بات وشيكاً ، وصدق الله سبحانه وتعالى حين يقول: (
أو يأخذهم على تخوف إن ربكم لرؤوف رحيم ) ،[2].
-       كما تتقلص علاقات الهرم الاجتماعية، إذ تقتصر على الأصدقاء القدامى ومن كان يسكن بقربه، كما ينتج عن هذا التغير مظهر جديد في حياة الهرم ألا وهو الفراغ والعزلة نتيجة للانسحاب  ، وتزيد الاهتمامات الدينية مع التقدم في العمر.
-       ـ ضعف المرونة الاجتماعية :
تتكوم من المرء في حياته عادات وأنماط من السلوك الفردي والاجتماعي وكلما تقدم العمر بالإنسان ازدادت هذه العادات والأنماط رسوخاً وثباتا. حتى تغدو جزءاً لا يتجرأ من مقومات شخصيته الفردية المتمايزة , وهذا سبب من أسباب معارضة المتقدمين في السن لكل تغيير اجتماعي فالإنسان وقد وصل إلى مرحلة الشيخوخة والهرم اعتاد على أعمال وطرق خاصة للقيام بتلك الأعمال . وهناك ميل في المسن إلى الاستمرار في نوعية السلوك ونمطه . فالجديد يحتاج استعماله إلى معرفة الطريقة والاقتناع بفائدتها التي تنتج من استعماله وهذا ما يثبط همة الهرم . لأن استعمال القديم وتقبله في هذا العمر أيسر وأسهل من الجديد. وهذا ما يؤدي بدوره إلى الجمود الاجتماعي ومقاومة كل تغيير والمحافظة على كل قديم .
فتقدم العمر مع الإنسان يطبعه بطابع المحافظة على القيم والتمسك الشديد بعادات وقيم نشأ عليها . مما يعرقل عملية التقبل أو التكيف الاجتماعي .
ونتيجة لهذا ينشاء صراع الأجيال بين الشباب والشيوخ لان آراء الشيوخ واتجاهاتهم تمثل الأفكار والعادات التي كانت سائدة في زمن شبابهم, أما آراء الجيل الناشئ واتجاهاته فإنها تمثل انعكاساً وامتصاصاً لما يجري من تطورات حديثة متغيرة. ومن هنا ينشأ الصراع الدائم بين الجيل القديم والجيل الجديد نتيجة لثبات القديم على أنماط سلوكية معينة لا يتجاوب بعضها على الأقل مع ظروف الحياة المتغيرة .
ولقد أجريت تجارب في الاتجاهات والميول وأنواع السلوك
, فظهر أنها تميل إلى أن تزداد ثباتاً كلما ازداد الأفراد تقدما في السن. وقد وجد ( ستر ونج Strong ) أن الاهتمامات الاجتماعية والميول وأنواع الطموح وما يكره الإنسان وما يحبه, تكون أقل تغيراً بين الإفراد الذين تتراوح أعمارهم بين ( 25 – 65 فما فوق) سنة منها بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين ( 15 – 25 ) سنة.
وقد ثبت أيضاً أن الشيوخ الذين يواصلون العمل الفكري النشيط هم متصفون بمرونة مناسبة ويلاقون صعوبة أقل من غيرهم في تعلم الجديد.




[1] لقمان ، 14.

[2] النحل ، 47

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق